فصل: موعظة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.موعظة:

عباد الله إن الصلاة من أعظم الأمانات عندكم، مطلوب، منكم أن تؤدوها وتقيموها قال تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} فالله سبحانه أمرنا بالمحافظة على الصلاة فِي أوقاتها والقيام فيها خاشعين خاضعين لجلالته وعظمته، وجعلها طريق الفوز والسعادة فِي العاجل والآجل قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.
ذلك أن الصلاة الكاملة تنير القلب وتهذب النفس وتعلم العبد آداب العبودية لله وواجبات الربوبية، بما تغرسه فِي قلب العبد المؤمن من إجلال الله وتعظيمه وتقديره، والتجلي بمكارم الأخلاق كالصديق والأمانة والقناعة والوفاء والحلم والحياء والتواضع والعدل والصبر والإحسان.
وتوجهه إِلَى مولاه، فتكثر له مراقبته وخدمته حتى تعلو بذلك همته، وتقوى عزيمته وتزكو نفسه، فيبتعد عن الكذب والخيانة، والأيمان الكاذبة، والشر والغدر والغضب والكبر والرياء، ويترفع عن البغي والعدوان، ودناءة الفسوق والعصيان والفساد قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.
فبالمحافظة على الصلاة تقوى النفس على احتمال الشدائد، وتثبت عند نزول البلايا والمحن، ويسهل عليه البذل حالة الغنى واليسار، قال الله تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}.
إِذَا أُلْهِمَ الإِنْسَانُ ذِكْرًا لِرَبِّهِ ** وَكَانَ بِمَا يَأْمُرْ بِهِ اللهُ آتِيَا

فَهَذَا الْفَتَى لا مَنْ يَكُونُ مُضَيِّعًا ** لأَمْرِ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ عَالِيَا

ثم انظروا عباد الله ماذا كَانَ من آثار ترك الصلاة، كَانَ من آثاره كثرة الشر ووسائل الشر، وانتشار الفواحش والمنكرات، من سفور وآلات لهو وحلق لحية علنًا وشرب دخان علنًا وصور مجسدة وغير مجسدة، وغش وتدليس وربا وعقوق والدين وقطيعة رحم وشهادة زور وقذف ولعن وغية ونميمة وأغاني من مذياع وفديو وتلفزيون ونحو ذلك من البدع المحرمة وتشبه بأعداء الإسلام بجعل خنافس وإسبال ثوب وجعل شنبات مع حلق لحية وتشبه بالنساء ومغازلة لهن وتسمية لأعداء الإسلام بسيد ومعلم وأستاذ ونحو ذلك مما يقشعر مِنْه جلد المسلم وتفتت له كبده فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على محمد وعَلَى آله وصحبه أجمعين.

.فصل في الأمانة وأشكالها:

اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه أن الأمانة من الأخلاق الفاضلة وأصل من أصول الديانات، وهي ضرورية للمجتمع الإنساني، لا فرق بين حاكم وموظف وصانع وتاجر وزارع ولا بين غني وكبير وصغير، فهي شرف الغني وفخر الفقير وواجب الموظف ورأس مال التاجر وسبب شهرة الصانع، وسر نجاح العامل والزارع، ومفتاح كل تقدم بإذن الله، ومصدر كل سعادة ونجاح بإذن الله.
وليست الأمانة مقصورة على الودائع التي تؤمن عند الناس من غال وثمين كالنقدين وما ناب عنهما من أوراق، وكالجواهر والحلي والأموال بل الأمانة أوسع من هذا كله، فهي عمل لكل ما لله فيه طاعة، وامتثال واجتناب كل ما لله فيه مخالف وعصيان، سواء كَانَ ذلك فِي عبادة الله أو فِي معاملة عباده.
فالصلاة أمانة عندك مطلوب منك أن تؤديها فِي وقتها إن لَمْ يكن عذر شرعي كاملة غير منقوصة مستوفية لفرائضها وشروطها وأدائها بقلب مملوءة من الخشوع والخضوع، وجسم مملوء من الطمأنينة والاتزان.
والزكاة أمانة عندك مطلوب أن تصوم وأن تصون صيامك عن مَا يفسده، وأن تتحرى الحلال للسحور والفطور، وأن لا يفكر عقلك إلا فِي خير ولا ينطق لسانك إلا حسنًا، ولا تسمع أذنيك إلا طيبًا ولا تنظر عينك إلا مباحًا ولا تمد يدك إلا إِلَى إصلاح ولا يسعى قدمك إلا طاعة ومعروف.
والحج أمانة لله فِي عنقك إن كنت ممن توفرت لديه الشروط وهي الإسلام والحرية والبلوغ والعقل والاستطاعة وتزيد المرأة شرطًا سادسًا وهو وجود محرم لها، وتؤدي مَا عليك من حقوق لله ولعباده.
وتنتظر ذلك المال الذي ستحج به أهو حلال أم حرام، وهل جمعته مع عرق جبينك أو إرثًا أو من دماء الناس وسرقة مَا لهم بغش ونحوه، وهل تريد حج رياء وسمعة أو ابتغاء وجه الله، والمهم أن تفتش على نفسك قبل العمل لئلا تخسر الدنيا والآخرة.
وبقدر مَا يكون الإنسان مقصرًا فِي عبادة من هذه العبادات يكون غير موف لأمانته تمامًا، فينبغي للإنسان أن يستحضر فِي كل ساعة وفي كل نظرة ولفتة وفي كل إشارة وفي كل حركة وسكون أنه مطالب بالأمانة فلسانك أمانة عندك إن حفظته من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية بعباد الله والقذف والفحش ونحو ذلك مما نهى عنه الشرع واستعملته فِي تلاوة كلام الله والباقيات الصالحات، فقد حفظت هذه الأمانة.
والأذن أمانة، إن جنبتها استماع المحرمات من الغيبة والملاهي والغناء وكلام من لا يرضون باستماعك ويكرهون ذلك واستعملتها في استماع ما يعود نفعه إليك فِي الدنيا والآخرة فقد حفظت هذه الأمانة.
ورجلك أمانة عندك إن استعملتها بالمشي إِلَى مَا أمر الله به، وحجزتها عن السير إِلَى مَا نهى الله عنه فقد حفظتها.
وكذلك الفرج إن جنبته الزنا واللواط والاستمناء باليد وكل مَا نهى الله عنه، واستعملته فيما أباحه لك الشرع فقد حفظته قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}.
وكذلك العقل إن استعملته فيما يعود عليك بالسعادة دنيا وأخرى ولم تستعمله في المكر والدهاء وخداع المسلمين والكيد لهم ونحو ذلك فقد حفظته.
ومن معاني الأمانة وضع كل شيء في مكانه اللائق به والجدير له فلا يسند منصب إلا لمن ترفعه كفايته له، أما من يعجز عن القيام به فلا يجوز له فلا إسناده إليه، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني، قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها». والله أعلم وصلى الله على محمد وعَلَى آله وصحبه أجمعين.

.موعظة:

عباد الله تمر الحياة بأحدنا وهو منهمك فِي ملذاته وشهواته ومطاعمه، لا يفكر فِي مآله ولا فِي يوم حسابه وكأنه خالد فِي الدنيا لا يموت أبدا، أو كَانَ عنده يقين أنه لا يحاسب على مَا جناه.
ومن العجيب أنه لا يمر يوم بل ولا ساعة إلا وفي ذلك نذير لابن آدم بالرحيل عن هذه الدار، يشاهد الموت يتخطف الناس من حوله فلا يزدجر، وتقوم الحوادث الجسام من حروب تفني آلافًا من البشر وتهدد الأحياء بالالتحاق بمن مات، وبالمجاعات والخراب، فلا يتعظ ولا يعتبر.
ويرى الحرائق مَا بين آونة وآونة تتلف النفوس والأموال والمساكين، وكيف تكون حالة الناس ومطافيهم، فلا يذكر جهنم وأهوالها وأنكالها وما فيها من أنواع العذاب الذي لا تصمد له الجبال الصم الصلاب، قست القلوب، وتحجرت الضمائر: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}، {نَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
أيها الغافلون، دنياكم دار غرور وهموم وأحزان، وهي بلا شك فانية، وأخراكم دار قرار باقية، وأجهل الناس من باع آخرته بدنياه والتقوى مفتاح السعادتين الدنيوية والأخروية، ضمان ضمنه الله لعباده، ووعد لا يتخلف، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
أما المعاصي والغفلة والنسيان والطغيان، فليس من ورائها إلا ضنك المعيشة فِي الدنيا بالهموم المبرحة والأحزان المجرحة مع العذاب الأليم فِي الآخرة، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} الآيات.
أيها العاقلون كلكم تعلمون أن الغفلة تنسي العبد ربه وآخرته، ومن نسي ربه أنساه الله نفسه، قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}، فلا تتعرضوا بذلك لسخطه وكونوا دائمًا ذاكرين للآخرة، فإن ذلك يبعث على الخوف من الله، ومن خاف ربه استقام بإذن الله، قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} والله أعلم وصلى الله على محمد وآله.
وَصِيَّتِي لَكَ يَا ذَا الْفَضْلِ وَالأَدَبِ ** إِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْكُنَ الْعَالِي مِنَ الرُّتَبِ

وَتُدْرِكَ السَّبْقَ والْغَايَاتِ تَبْلُغُهَا ** مُهَنَّأًَ بِمَنَالِ الْقَصْدِ وَالأَدَبِ

تَقْوَى الإِلَه الَّذِي تُرْجَى مَرَاحِمُهُ ** الْوَاحِدُ الأَحَدُ الْكَشَّافُ لِلْكُرَبِ

أَلْزَمْ فَرَائِضَهُ وَاتْرُكْ مَحَارِمَهُ ** وَاقْطَعْ لَيَالِيكَ وَالأَيَّامِ فِي الْقَرْبِ

وَأَشْعِرِ الْقَلْبَ خَوْفًا لا يُفَارِقُهُ ** مِنْ رَبِّهِ مَعَهُ مِثْلٌ مِنْ الرَغَبِ

وَزَيِّنِ الْقَلْبَ بِالإِخْلاصِ مُجْتَهِدًا ** وَاعْلَمْ بِأَنَّ الرَّيَا يُلْقِيكَ فِي الْعِطَبِ

وَنَقِّ جَيْبَك مِنْ كُلِّ الْعُيُوبِ وَلا ** تَدْخُلْ مَدَاخِلَ أَهْلِ الْفِسْقِ وَالرِّيبِ

وَاحْفَظْ لِسَانَكَ مِنْ طَعْنٍ على أَحَدٍ ** مِن الْعِبَادِ وَمِنْ نَقْلٍ وَمِنْ كَذِبِ

وَكُنْ وَقُورًا خَشُوعًا غَيْرَ مُنْهَمِكٍ ** فِي اللَّهْوِ وَالضِّحْكِ وَالأَفْرَاحِ وَاللَّعَبِ

وَنَزِّهِ الصَّدْرَ مِنْ غِشٍّ وَمِنْ حَسَدٍ ** وَجَانِبْ الْكِبْرَ يَا مِسْكِينُ وَالْعُجُبِ

وَارْضَ التَّوَاضُعَ خُلَقًا إِنَّهُ خُلُقُ الـ ** أَخْيَارِ فَاقْتَدْ بِهِمْ تَنْجُو مِنْ الْوَصَبِ

وَخَالِفِ النَّفْسَ وَاسْتَشْعِرْ عَدَاوَتَهَا ** وَارْفُضْ هَوَاهَا وَمَا تَخْتَارُهُ تُصِبِ

وَإِنْ دَعَتْكَ إِلَى حَظٍّ بِشَهْوَتِهَا ** فَاشْرَحْ لَهَا غِبَّ مَا فِيهِ مِنَ التَّعَبِ

وَازْهَدْ بِقَلْبِكَ فِي الدَّارِ الَّتِي فَتَنَتْ ** طَوَائِفًا فَرَأَوْهَا غَايَةَ الطَّلَبِ

تَنَافَسُوهَا وَأَعْطَوْهَا قَوَالِبَهُمْ ** مَعَ الْقُلُوبِ فَيَا للهِ مِنْ عَجَبِ

وَهِيَ الَّتِي صَغُرَتْ قَدْرًا وَمَا وَزَنَتْ ** عِنْدَ الإِلَهِ جَنَاحًا فَالْحَرِيصُ غَبِي

وَخُذْ بَلاغَكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَاسْعَ بِهِ ** سَعْيَ الْمَجْدِ إِلَى مَوْلاكَ وَاحْتَسِبِ

وَاعْلَمْ بِأَنَّ الَّذِي يَبْتَاعَ عَاجِلَهُ ** بِآجِلٍ مِنْ نَعِيمٍ دَائِمٍ يَخِبِ

وَإِنْ وَجَدْتَ فَوَاسِ الْمَعْوِزِينَ تَفِضْ ** عَلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الأَرْزَاقُ فَاحْتَسِبِ

وَإِنْ بُلِيتَ بِفَقْرٍ فَارْضَ مُكْتَفِيًا ** باللهِ مِنْ رَبِّكَ الْفَضْلَ وَارْتَقَبِ

وَاتْلُ الْقُرْآنَ بِقَلْبٍ حَاضِرٍ وَجَلٍ ** عَلَى الدَّوَامِ وَلا تَذْهَلْ وَلا تَغِبِ

وَاذْكُرْ إِلَهَكَ ذِكْرًا لا تُفَارِقُهُ ** وَادْعُ الإِلَهَ وَقُلْ يَا فَارِجِ الْكُرَبِ

يَا رَبِّ إِنَّكَ مَقْصُودِي وَمُعْتَمَدِي ** وَمُرْتَجَايَ بِدُنْيَايَ وَمُنْقَلَبِي

فَاغْفِرْ وَسَامِحْ عُبَيْدًا مَا لَهُ عَمَلٌ ** بِالصَّالِحَاتِ وَقَدْ أَوْعَى مِنَ الْحُوب

اللهم قو إيماننا بك وبملائكتك وبكتبك وبرسلك وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره وثبتنا على قولك الثابت فِي الحياة الدنيا وفي الآخرة واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

.فصل في الولاية:

فالولاية شروطها الحفظ والعلم والقوة والأمانة، فالواجب أن يختار للعمل أحن الناس قيامًا به، فإن عدل عنه إِلَى غيره لهوىً أو رشوة أو قرابة فهذه خيانة ممن ولاه أو تسبب فِي الولاية، قال صلى الله عليه وسلم: «من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله مِنْه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين». رواه الحاكم.
وعن أبي يعلي معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة». وفي رواية لمسلم: «مَا من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة».
وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله عز وجل يوم القيامة مغلولة يده إِلَى عنقه ففكه بره أو أوبقة إثمه أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها خزي يوم القيامة».
وعن أبي هريرة مرفوعًا «ويل للأمناء ويل للعرفاء ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كَانَت معلقة بالثريا يتذبذبون بين السماء والأرض ولم يكونوا عملوا على شيء».
وفي أفراد مسلم من حديث أبي ذر قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها». وفي لفظ آخر: «يا أبا ذر إني أحب لك مَا أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم».
وفي الحديث الآخر: «أيما رجل استعمل رجلاً على عشرة أنفس علم أن فِي العشرة أفضل ممن استعمل فقد غش الله ورسوله وغش جماعة المسلمين». قلت: وفي زماننا المظلم بالمنكرات والمعاصي كثير من الأعمال يتولاها أناس لا يصلون كفرة فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وعن يزيد بن أبي سفيان قال: قال لي أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين بعثني إِلَى الشام: يا يزيد إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم بالإمارة وذلك مَا أخاف عليك بعد مَا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ولي من أمر المسلمين شيئًا فأمر عليهم أحدًا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله مِنْه صرفًا ولا عدلاً حتى يدخله جهنم». رواه الحاكم.
والأمة التي لا أمانة لها هي التي تنتشر فيها الرشوة وتعمل على إهمال الأكفاء وإبعادهم وتقديم الذين ليسول أهلاً للمناصب، وهذا من علامات الساعة الذي وقع. فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً سأله متى تقوم الساعة فقال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة». فقال: وكيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة». رواه البخاري.
ومن معاني الأمانة أن يحرص الإنسان على أداء واجبه كاملاً فِي العمل الذي يناط به وأن يستنفد جهده فِي تكميله وتحسينه وأن يفي بجميع مَا اتفقا عليه عملاً ووقتًا، والخيانة تتفاوت، فما أصاب الدين وجمهور المسلمين وتعرضت البلاد لأذاه أشد إثمًا ونكرًا وشناعة، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء يعرف به فقال: هذه غدرة فلان». رواه البخاري.
وفي رواية: «لكل غادر لواء عنه إسته يرفع له بقدر غدرته ألا ولا غادر أعظم من أمير عامة».
ومن الأمانة أن لا يستغل الإنسان منصبه الذي عين فيه لجر منفعة له أو إِلَى قريبه فأخذ زيادة على مَا رتب له من بيت المال بطرق ملتوية.
إما بتناول رشوة وإما بتناول رشوة باسم هدية أو تحفة يتناولها هذا الخائن بتأويلات باطلة أو بمحاباة أو مجاملة صديق أو رفيق أو جارٍ بما فيه ضرر على عموم المسلمين أو بأية ذريعة ووسيلة من وسائل الاستغلال النفوذي، فكل ذلك غش وخيانة، وما أخذ فهو سحت لأنه ثمرة خيانة وغدر وخداع ومكر، قال تعالى: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
وعن عدي بن عميرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من استعملناه منكم على عمل فكتما مخيطًا فما فوقه كَانَ غلولاً يأتي به يوم القيامة». فقام إليه رجل أسود من الأنصار كَأنَي انظر إليه فقال: يا رسول الله أقبل عني عملك قال: «ومالك». قال: سمعتك تقول كذا وكذا قال: «وأنا أقول الآن من استعملناه على عمل فليجيء بقليله وكثيره فما أوتي مِنْه أخذ وما نهي عنه». انتهى رواه مسلم.
يَغْدُ إِلَى كَسْبِ قِيرَاط أَخُو عَمَل ** لَوْ يُوزَنُ الإِثْمُ فِيهِ كَانَ قِنْطَارَا

وعن أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتيبة على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه.
ثم قال: «أما بعد فإني استعمل رجالاً منكم على أمور ولاني الله فيأتي أحدكم فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت لي فهلا جلس فِي بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدي له أم لا والذي نفسي بيده لا يأخذ مِنْه شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كَانَ بعيرًا له رغا أو بقرًا له خوارٌ أو شاة تيعر».
ثم رفع يديه حتى رأينا عَفْرَتَيْ إبطيه ثم قال: «اللهم هل بلغت». متفق عليه، قال الخطابي: وفي قوله: «هلا جلس فِي بيت أبيه أو أمه فينظر أيهدي إليه أم لا». دليل على أن كل أمر يتذرع به إِلَى محظور فهو محظور.
وكل داخل فِي العقود ينظر هل يكون حكمه عند الانفراد كحكمه عند الاقتران أم لا.
أما الذي يلتزم حدود الله فِي وظيفته ولا يخون الواجب الذي طوقه فهو من المجاهدين قال صلى الله عليه وسلم: «العامل إذا استعمل فأخذه الحق وأعطى الحق لَمْ يزل كالمجاهد فِي سبيل الله حتى يرجع إِلَى بيته».
فَلِلَّهُ دَرُّ الْعَارِفِ النَّدْبِ إِنَّهُ ** تَسِحُّ لِفَرْطِ الْوَجْدِ أَجْفَانُهُ دَمَا

يَقِيمُ إِذَا مَا اللَّيْلُ مَدَّ ظَلامَهُ ** عَلَى نَفْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ مَأْتَمَا

فَصِيحًا بِمَا قَدْ كَانَ مِنْ ذِكْرِ رَبِّهِ ** وَفِيمَا سِوَاهُ فِي الْوَرَى كَانَ أَعْجَمَا

وَيَذْكُرُ أَيَّامًا مَضَتْ مِنْ شَبَابِهِ ** وَمَا كَانَ فِيهَا بِالْجَهَالَةِ أَجْرَمَا

فَصَارَ قَرِينَ الْهَمِّ طُولَ نَهَارِهِ ** وَيَخْدِمُ مَوْلاهُ إِذَا اللَّيْلُ أَظْلَمَا

يَقُولُ إِلَهِي أَنْتَ سُؤلِي وَبُغْيَتِي ** كَفَى بِكَ لِلرَّاجِينَ سُؤْلاً وَمَغْنَمَا

عَسَى مَنْ لَهُ الإِحْسَانُ يَغْفِرُ زِلَّتِي ** وَيَسْتُرُ أَوْزَارِي وَمَا قَدْ تَقَدَّمَا

اللهم أذقنا عفوك وأسلك بنا طريق مرضاتك. وعاملنا بلطفك وإحسانك واقطع عنا مَا يبعد عن طاعتك الله وثبت محبتك فِي قلوبنا وقوها ويسر لنا مَا يسرته لأوليائك واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعَلَى آله وصحبه أجمعين.